لو جلس احدنا في غرفة مغلقة ،لا يستطيع ان يسمع ويرى ما يدور خارجها ،لان صلته تنقطع بالدنيا من حوله ،الا اذا استخدم وسائل العصر ، التي تجعله على صله بالعالم كله.
ولكن بعض الناس ، يستطيع ان يشعر في لحظة ، بما يحدث على مئات الاميال ، من غير ان يرى بعينه ،او يسمع باذنه ، فلا يستعمل اي حاسة من حواسه ،لذا فان علماء النفس يطلقون على هذا النوع من الادراك :"الادراك الحسي الخارج عن نطاق الحواس"
كيف ذلك؟
انها شفافيه روحيه تجعل صاحبها ذا قوة ادراكيه خارقة للعادة ، يدرك ما لا يدركه الاخرون!
ويمكن للانسان ان يكتسب هذه القدرات اذا :اخلص في العبادة وافرغ قلبه من شواغل الدنيا وطهر لسانه من لغو الحديث فلا ينطق بسوء بل يكون صمته فكرا ونطقه ذكرا وعمله اخلاصا لله ابتغاء مرضاته.
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر كان فيه رجلان يعذبان ،ادرك الرسول ما يحدث لهما داخل القبر اخبر اصحابه عن السبب الذي جعلهم لا يسمعون ما يسمع فقال لهم"....ولولا تمرغ قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما اسمع".
معنى ذلك ان الانسان يستطيع ان يصل الى هذه
وقد حدث ذلك لامير المؤمنين عمر بن الخطاب ،كان يخطب الجمعة ذات يوم بالمدينه وفجاة...قطع الخطبة قائلا :"يا سارية الجبل...يا سارية الجبل"!
ثم عاد الى خطبته قاتمها،ثم صلى الجمعة بالمسلمين.
ساله الصحابة عما قاله فقد كان كلاما لا علاقة له بالخطبة فبين لهم الامر قائلا ما معناه:شعرت ان المشركين هزموا اخواننا ، الذين خرجوا للجهادفي سبيل الله وانهم يمرون بجبل ،فان عدلوا اليه قاتلوا من وجدوه وانتصروا وان جاوزوه هلكوا ،فخرج مني هذا الكلام.
لقد وصل رضي الله عنه الى مرتبة ، جعلته يستقبل ما يحدث في ارض الجهاد،على بعد مسافات طويلة فارسل تلك العبارات المختصرة تحذيرا لجنوده في ساحة القتال وتوجيها لهم الى ما يمكنهم من تحقيق النصر باذن الله.
كان الجنود ايضا في مرتبة مكنتهم من استقبال رسالة امير المؤمنين عمر ،فهم في حال اداء لفريضة سامية وهي الجهاد في سبيل الله بالاضافة الى حرصهم على بقية الفروض والسنن والنوافل مما ادى الى سمو ارواحهم .
وبعد شهر اقبل رجل من الجيش الى المدينة ، يحمل بشرى نصر المسلمين ،وقال :انهم سمعوا في ذلك اليوم ،وفي تلك الساعة ،حينما جاوزوا الجبل نداء يشبه صوت امير المؤمنين عمر يناديهم:" يا سارية الجبل...يا سارية الجبل". فرجعوا اليه وايدهم الله بنصره
كذلك فقد اخبرنا القران الكريم ان نبي الله يعقوب عليه السلام شم رائحة ابنه الغائب يوسف عليه السلام على بعد مئات الاميال فالانسان باخلاصه في العبادة وامتثاله اوامر الله ورسوله يصل الى مراتب عالية قال الله تعالى في الحديث القدسي:"...وما تقرب الي عبدي بشئ احب الي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته :كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وان سالني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه...."