الخطوة الحاسمة (قصة قصيرة)
بقلم الأخت الفاضلة / الأستاذة إيمان القدوسى
لا تغرد البلابل لأنها سعيدة ولكن لأنها بطبيعتها لديها ألحانا جميلة ـ ـ ـ
( هاهو يأتي للمرة الثالثة بحجة استكمال أوراقه ، رغم أنني منذ المرة الأولي حددت له المطلوب بوضوح شديد ، لكن سلوكه يكشف هدفه الخفي ، لم يكن هو الأول وفي كل مرة كنت أقوم بالخطوة الحاسمة التي تجعله يفر بغير رجعة ، لا أعرف لماذا أتردد هذه المرة )
قال صلاح ( هل من الضروري يا أستاذة (سلوى ) أن تكون خلفية الصورة بيضاء؟)
وقفت سلوى بصعوبة ولم تتكلم مكتفية بهز رأسها بالإيجاب ، تحركت من وراء مكتبها ومشت أمامه خطوات اتضحت من خلالها إعاقتها وهي تجر ساقها المصاب.
استدارت له بكبرياء جريح وهي تقول بجدية ( هل هناك استفسار آخر يا أستاذ ؟)
ظهر التغير على وجهه وفي هذه المرة هو الذي لم يتكلم وهز رأسه بالنفي وانصرف مسرعا.
عادت تجلس إلي مكتبها وكادت دموعها تفر من عينيها ، وهي تدفن أملا جديدا في طيات النسيان.
مرت الأيام متشابهة ، كان المختلف فقط هو إحساس سلوى بالفقد ، صحيح أن ذلك الشاب لم يلمح أو يصرح بشئ ، ولكنها بنفسها الحساسة كانت تفهم وتخشى موقفه من خطوتها الحاسمة
كانت سلوى كأي فتاة ، تتمني أن تقابل الشخص المناسب الذي يختارها زوجة بالرغم من إعاقتها ، كانت تعتقد أن لكل فتاة روحا واحدة توزعها بين اهتمامات عديدة وأن من حرمت ـ مثلها ـ من إحدى النعم فإن اهتماماتها فقط هي التي تختلف فتقل في جانب غير متاح وتتكثف في جوانب أخري ، والمحصلة النهائية متقاربة ، الفارق الحقيقي هو في نوعية تلك الاهتمامات ، كثير من الأصحاء يهدرون حياتهم في الجانب الخطأ من الحياة ، أما من اختارت الطريق القويم واجتهدت في تزكية نفسها والحفاظ على نقاء روحها فهي جديرة بالحياة الزوجية وقادرة على بث السعادة في أرجائها
ـ ـ ـ ـ
بدأت تعاودها ابتسامتها الصافية وتشغل نفسها تماما بالعمل نهارا ومساعدة والدتها بعد العودة للبيت وممارسة هواياتها العديدة الأخرى خاصة القراءة والخياطة ، كانت تسمع تمتمة والدتها لها بالدعاء فتشعر بالأمان ، وفي ظهيرة أحد الأيام أثناء العمل تعثرت الفتاة التي تقوم بإعداد الشاي في سلك كهرباء وصرخت صرخة هائلة ، كانت سلوى وبلا تفكير هي أسرع الجميع في التصرف ، فصلت مفتاح التيار الكهربائي وجذبت الفتاة وقامت بعمل الإسعافات الأولية اللازمة لها.
وبعد انتهاءها جلست لتلتقط أنفاسها وفوجئت بمن يقول لها ( هل تعلمت الطب أيضا يا أستاذة ) كان وجها أسمر تطبعه صلابة الكفاح بطابعها المميز وبالرغم من ذلك يتحلى بابتسامة واهنة تختلط فيها السخرية بالحنان.
ـ
في بيت سلوى جلس (صلاح ) مع أبيها ووالدتها وحكي كل ظروفه بصراحة ( أبيه الذي توفاه الله وترك له ثلاثة إخوة صغار من زوجة ثانية وكيف أن مساعدته لهم وقيامه على أمرهم يزعج والدته التي تعتبر أنه يتحداها بمساعدة غريمتها ، وأحواله المادية المحدودة رغم أنه مهندس ناجح و.. )
قاطعته سلوى ( لماذا اخترتني ؟ )
زجرها أبوها ( سلوى !!)
قالت ( عفوا يا أبي هذا السؤال هو الأهم عندي )
ابتسم صلاح ابتسامته المميزة وقال ( بعد إذنك يا عمي ، اخترتك لأنك مختلفة ، لا يستهويني الجمال الخارجي للمرأة وحده لأنه كثيرا ما يخفي وراءه قبحا وتشوهات في النفس ، منذ اللحظة الأولي التي تعاملت فيها معك وجدت ذلك الثراء الإنساني الذي أنشده ، وعندما تعمدت السير أمامي أخذتني المفاجأة للوهلة الأولي ،بعد ذلك قلت ربما التحدي الذي واجهك هو الذي أضفى عليك هذا التميز )
ثم موجها حديثه لأبيها ( منذ مدة ليست بعيدة توصلت لسر جاذبية بعض الناس وحب الآخرين لهم ، ما تحمله نفوسهم من خير ورحمة وقدرة على العطاء ، يشبهون قناديل النور التي تؤنس السائر في طريق موحش ، وأحببت أن أنير بيتي بهذا النور )